لماذا حرم ديننا الحنيف الغش ؟؟؟

السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته /

بسم الله الرحمان الرحيم /


كلنا يردد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس منا من غشنا " وقد تراوحت شروح الحديث بين ليس من أخلاقنا الغش ، وبين ليس على سنتنا من غشنا. وقليل منا من يلقي بالا لخطورة هذا الحديث الشريف الذي ينفي عن ممارس الغش الانتماء لدين الإسلام .

ذلك أن الذي ليس على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على أخلاقه ، والذي ليس على أخلاقه لا علاقة له بالقرآن الكريم لأن القرآن الكريم هو خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أجابت بذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتخلق بالقرآن الكريم معناه الاقتداء بسنة الرسول الأعظم، وليس من سنته عليه السلام الغش. والغش هو نقيض النصح ، وهو مأخوذ من الغشش أي المورد الكدر. فالعادة أن المورد يكون صافيا ويكثر بسبب ذلك الشرب منه ، فإن كدر قل الشرب منه. والغش كما يكون في الأمور المادية يكون في الأمور المعنوية ، وقد انتقل استعمال الغش من الماء إلى غيره من الأمور المادية والمعنوية إذ صار كل شيء فيه كدر يوسم بالغش لقلة الاستفادة منه. وإذا ما كان الغش هو نقيض النصح فمعنى ذلك أنه الكذب والخيانة ، ومما يؤكد ذلك قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : " المؤمن يطبع على كل شيء إلا الخيانة " والحديث واضح الدلالة على أن المؤمن لا يكون من طبعه الخيانة ، وهي الكذب أو عدم النصح أو الغش. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيزني المؤمن يا رسول الله ، قال : نعم ، أيسرق المؤمن يا رسول الله ، قال نعم ، أيكذب المؤمن يا رسول الله ، قال : لا . فالزنا والسرقة قد يكونان مما يطبع عليه المؤمن نظرا لضعفه الغريزي الذي جبل عليه ، ولكنه لا يكون كاذبا أي خائنا أو غشاشا. فلو جاز الكذب في المؤمن لما صح إيمانه أصلا ، إذ كيف يصدق من يدعي الإيمان وهو كاذب. ولهذا لا يمكن للغشاش أن يحافظ على انتمائه لحظيرة الإيمان لأنه بممارسة الغش ينقض إيمانه ذلك أنه بموجب إيمانه يلزم نفسه بالنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ، فإن غش نقض التزامه ، لهذا فالحديث الذي ينفي انتماء الغشاش لأمة الإسلام ليس مجرد عبارة مجازية على غرار ما يجري على ألسنة الناس بل هي عبارة شرعية تدل على حقيقة معيشة .ولو نزلنا الغش في كل آفاق الحياة ومجالاتها المختلفة سواء تعلق الأمر بالأفراد أم بالمؤسسات لأدركنا حقيقة الحديث النبوي الشريف الذي ينفي الانتماء للإسلام عمن يمارس الغش مهما كان نوعه وحجمه. فالناس أحيانا يستخفون بالغش فلا يعتبرون غشا إلا ما كان بأقدار وأحجام أو كميات معلومة ، أوفي مجالات معلومة دون غيرها مع أن الحديث تناول مطلق الغش دون تقنين أو تحديد في مجال دون آخر. فالحياة تمارس بشكل حدده الخالق سبحانه ، فإن لم تمارس كذلك كان فيها الغش بمعنى الخروج عن إرادة الخالق ، وبذلك يكون الخروج من دائرة الانتماء للإسلام بمعنى الاستسلام لإرادة الخالق جل وعلا.

والناس قد ينكرون الغش المادي ، ولكنهم لا يلقون بالا للغش المعنوي. قد يتحدثون عن الغش في المجال الاقتصادي حيث يدلس المدلسون في السلع والبضائع ولا ينصحون فيبيعون الرديء من السلع والبضائع بغير أثمانها المستحقة ، وهو كذب وخيانة وغش ، كذب لأن البضاعة لا تستحق الثمن، وخيانة لأنها سرقة ، وغش لغياب النصح. فالتاجر الغشاش أي غير الناصح في تجارته يمارس الكذب والخيانة بامتياز. ويقاس على التاجر كل من يمارس عملا في المجتمع مهما كان نوع العمل . فكل من تقلد مسؤولية في المجتمع ولم ينصح الأمة فهو غشاش وكاذب وخائن . وقد يكون الغش في الماديات أو في المعنويات مما له قيمة. وقد لا يبالي البعض بالغش في الزمن والوقت بالرغم من قيمته التي لا تقل عن قيمة الماديات حيث لا ينصح الكثيرون الأمة في التوقيت المحدد لهم لإنجاز مهام توكل إليهم. فالمهام عندما ينقص من زمنها يشوبها النقص بالضرورة ، وهو ما لا يحفل به كثير من الناس الذين قد يحرصون على أداء المهام على الوجه المطلوب ولكنهم لا يحرصون على توقيتها المطلوب فينجزونها منقوصة غير تامة . وفي هذه الحال لا يختلف من غش في سلعة عمن غش في توقيت. وعلى هذا المثال تقاس كل الأمثلة. وقد لا يتنبه البعض إلى الغش الذي تمارسه المؤسسات ، وهي مجموع أفراد ، وما يصدق على الفرد يصدق على الجماعة.

والذين لا يبالون بغش المؤسسات والمجتمعات يبررون ذلك بظاهرة تعميم الغش ، ذلك أن الغش عندهم إذا عم صار مبررا . وقد لا يبالي البعض ببعض أنواع الغش الخفي من قبيل السكوت على الغش ،ذلك أن الساكت على الغش ممارس له أيضا لأنه يعطل فريضة النصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. فالذي يرى الغش أو يسمع به ولا يحرك ساكنا لا تبرأ ذمته أمام الله عز وجل. وأقبح من ذلك أن يدافع البعض عن ممارس الغش وهم على علم به ويخوضون في التبريرات والأعذار الواهية التي تشجع ممارس الغش على غشه عوض نصحه فيكون عدم نصحهم للغشاش ضريا من الغش لأنهم يكذبون عليه ، ويخونونه عوض مواجهته بالحقيقة التي لا يريدها ، ويفضل الكذب عليها. وهؤلاء لا يبالون بقول الله تعالى : (( ولا تكن للخائنين خصيما )) ذلك أن خصيم الخائنين خائن بالضرورة. وخير ما يختم به هذا المقال قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " وهذا الحديث يؤكد قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من غشنا " إذ ليس من المسلمين من يحرم عليه الله الجنة.

سلمت يمناك على نقلك الكريم وأثابك